30 - 06 - 2024

مؤشرات | متى يعود اليمن إلى شعار السعادة

مؤشرات | متى يعود اليمن إلى شعار السعادة

في تقرير دولي مهم حول "اليمن" الشقيق أرعبتني الأرقام، فقد راح ضحية الصراع خلال نحو 12 عاما 233 ألف قتيل، و17 مليون يفتقرون إلى أبسط مفاهيم الأمن الغذائي، وأكثر من 11 ألف طفل بين قتيل وجريح، وهاجر أكثر من 3 ملايين يمني البلاد يعيشون كلاجئين في بلدان العالم. 

وعلى الرغم من الهدوء النسبي في البلاد حاليا، منذ انتهاء مهلة القتال في أكتوبر 2022، والتي توصل إليها المبعوث الأممي لليمن الأسبق "هانس جروندنبيرج"، في أبريل 2022، وعودة القتال المتفرق، فقد بدت الصورة ، أن حلم اليمين في الإستقرار مازال محل سراب. 

فاليوم ووفق كل المؤشرات والتقارير يقع اليمنيون بين المجلس الانتقالي الجنوبي، صاحب الكلمة العليا في عدن، فيما تقف جماعة الحوثي بقوة مسيطرة على العاصمة صنعاء، فيما نرى موقف أضعف لحكومة عبد ربه منصور هادي، رغم أنها المدعومة من التحالف. 

وبالفعل وفقا للواقع فإن مجرد حلم هذا الشعب في اليمن نحو الإستقرار وإلتقاط الخيوط نحو مستقبل أفضل ، بدا مستحيل المنال، حتى الآن ومن يقل غير ذلك لا يقنع الناس ويعتبرونه شكلا من أشكال المسكنات، فلسان حال أهل اليمن يقول"نريد فقط أن نأكل ونشرب، فقد مللنا كلام في السياسة، فقد ذهبت الأحلام مع الرياح". 

ولم يهنأ اليمنيون بما توصل إليه المبعوث الأممي في أبريل من العام الماضي 2022، "هانس جروندنبيرج، بالتوصل لاتفاق مع الأطراف المتنازعة على وقف إطلاق النار لمدة شهرين، تم تجديدها حتى أكتوبر من العام الماضي، أي قبل أربعة وإعلان انتهائها بشكل رسمي ، مع عودة الأطراف المتنازعة للقتال، بل لأنه وخلال شهور الهدنة، حصلت خروقات للهدنة، أغلبها من جماعة أنصار الله الحوثية، وصلت إلى مئات الخروقات. 

وعلى مدى نحو 12 عاما يعيش اليمن أسوأ حالاته، حيث أصبح ضحية صراعات من الداخل والخارج، وحروبا وحالات دمار أكلت الأخضر واليابس، لشعب كل ذنبه أنه كان ومازال يبحث عن الحرية والحياة الكريمة، من خلال تحركات شعبية، إلا أن أطراف عدة قفزت على أحلام هذا الشعب، كباقي شعوب الربيع العربي لتذوب الأحلام وسط صراع من يحكم ومن يسيطر على مقدرات البلاد. 

ومنذ شرارة الأزمة الأولى في اليمن لم تفلح المبادرة الخليجية في الرياض في نوفمبر 2011، والتي وقعها الرئيس اليمين الراحل علي عبد الله صالح، في انقاذ اليمن في بداية أزمته، بل وقع الهجوم الأشهر على القصر الرئاسي، والذي نال من عبد الله صالح نفسه، لتندلع شرارة جديدة للمعارك. 

ومع ابتعاد على عبد الله صالح عن المشهد السياسي في اليمن، ظهر السؤال المهم بعد إجراء الانتخابات "الإستفتاء" وظهور عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلاد "هل دخل اليمن حالة الإستقرار؟ .. الإجابة على السؤال أصبحت صعبة جدا، رغم إجراء حوار وطني في مطلع الأزمة. 

وفشلت كل الجهود في إيجاد توافق يمني على ما انتهى إليه الحوار، وخرجت جماعة "الحوثي" عن اي توافق رغم الدعم الأممي والعربي والخليجي والإقليمي لما أسفر عنه الحوار "اليمني اليمني"، لتفرض سلطتها على العاصمة، بل وصل الأمر لفرض الإقامة الجبرية على الرئيس المنتخب. بل تبين فشل "العلاج" المر على أيدي الحوثيين، والذين سعوا منذ اللحظة الأولى إلى تفريغ لمؤسسات الدولة من كوادرها، رافعين شعار "الولاء أولا"، فكل من لم يكن منهم هو خارج الدائرة، لتزيل السلطة المنتخبة من العاصمة، ويخرج أو يهرب "منصور هادي" من صنعاء إلى عدن، ثم إلى السعودية، لتدخل اليمن في "مفرمة" جديدة، من العام 2015 أي قبل ما يقرب من 8 سنوات، لتبدأ عملية "عاصفة الحزم" والتي تولاها "التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن"، بقيادة السعودية. 

واشتعلت المعارك والمواجهات، وظل الشعب اليمني الضحية في كل الأحوال، ودخل "اليمن السعيد" سابقا في بوتقة من النيران والصواريخ، بل خرج الصراع إلى الأراضي السعودية المجاورة بإطلاق الصواريخ البالستية. 

ومع عودة الرئيس اليمني المنتخب "عبد ربه منصور هادي" إلى عدن في بدايات "عاصفة الحزم" .. طرح هل اليمن السؤال الجديد "هل دخلنا مرحلة الإستقرار؟.. وبدت الإجابة صعبة لضبابية كل المواقف، وإتسعت دوائر بقع الدماء، والتي تحولت إلى أنهار، بل ظلت مساعي المجتمع الدولي لوقف نزيف الدم تدور في دائرة مفرغة، مع عمليات القصف والتي طالت المدنيين الآمنين من أطفال ونساء وكبار السن، في منازلهم وأفراحهم وأحزانهم. 

وظل حلم اليمنيين معلقا بين السماء والأرض، دون أفق واضحة لأي نهاية، في ظل حالات من الفوضي، ودمار شامل للمرافق، بفعل الحرب والضياع والإنقسام بين صنعاء تحت سيطرة الحوثي، وعدن تحت سيطرة حكومة عبد ربه منصور، ومناطق أخرى، تحت سيطرة قوات الجنوب اليمني، حيث انقطع بل قل إنعزل اليمن عن كل العالم، جوا وبحرا وبرا، وأضحى التواصل محكوم أمنيا. والحلم اليمني يواصل انفراطه، وتسربه من بين أنامل أفراد الشعب، لتدخل رحلات الهروب، أو قل اللجوء "الإجباري" لشعب فقد أي عون أو سند، في ظل صراع دموي على السلطة، وبدأ ملايين اليمنين في البحث عن ملجأ في أي دول عربية أو أوروبية، أو إفريقية، أو أسيوية، ليدخل مرحلة ما يمكن تسميته بـ"الشتات"، فالموت أو القتل أصبح عنوانا كبيرا، وهو ما حدث للرئيس السابق علي عبد الله صالح، والعديد من القادة اليمنيين. 

ظل الجوع والفقر والمرض شعارات الأزمة في اليمن طيلة سنوات طويلة، وإن حدث شكل من أشكال الهدوء مع اتفاق جرى في السويد قبل أربع سنوات، وإن خلق هدوءا حذرا وإن فشل ، ولم يتم تفعيل العديد من الإتفاقيات، في أعقاب إنسحاب القوات الإماراتية، وظلت مؤسسات الدولة اليمنية غائبة، وليس لها دور فاعل، كما تم تفريغ القوات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع من مضمونها. 

وتأزمت قضايا اليمن في سنوات الأزمات الصحية خصوصا سنوات "كوفيد -19"، وأصبح اليمن محاصرا بين الحرب والوباء، وظل الشعب ضحية الخلافات والصراعات السياسية، والتي لم ترحم معاناة شعب ذنبه أن سياسييه أصحاب أجندات ومصالح في الداخل والخارج، ويبحثون عن قضم جزء من كعكة وطن أكله الحرب، فوقع فريسة لكل ما هو مُدمر وطامع. 

وظلت جماعة الحوثي، حجر عثرة في تفعيل أي مبادرات أممية وأمريكية، وعربية وخاصة السعودية، في إقرار السلام في اليمن، ليظل حال شعبه دون مجرد أحلام... لنصل إلى ما بدأنا به المقال وهي حالة الإنقسام الثلاثية التي يعيشها اليمن حاليا. فمن يتحمل مسؤولية ما آل إليه اليمن اليوم .. ومتى يعود اليمن كما كان يوما ما شعارا للسعادة..!! أتمنى أن أجد إجابة!!.
------------------------
بقلم: محمود الحضري 

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين





اعلان